Page 498 - African-Issue 41Arabic
P. 498
أسس «هاريس» نظريته على تفسير مادي للواقع الاجتماعي ،ويشرح أن
سبب إطلاق صفة (المادية) Materialعلى تلك الأشياء ،هو الرغبة في فصلها عن
التحديات أو التغيرات التي يفرضها الجانب الآخر من الحياة الإنسانية ،ذلك الجانب
الذي يرتبط بالأفكار ،والروحانيات ،والنواحي العقلية (كالفنون ،والقيم ،والدين).
ويستطرد “هاريس” القول ذاك ًرا أن الماديين الثقافيين يردون اختلاف المظاهر
الروحية والعقلية لدى المجتمعات الإنسانية إلى تلك القيود المادية التي يواجه بها
الناس مشكلة إشباع الحاجات الأساسية في إطار إمكانية البيئة التي يعيشون فيها.
وبذلك يؤكد هاريس على مبدأ الحتمية الاقتصادية التكنولوجية ،والحتمية البيئية
التكنولوجية ،وهذا معناه أن تطبيق تكنولوجيات متشابهه في بيئات متشابهه تؤدي
إلي خلق ترتيبات أو نظم إنتاجية واستهلاكية متشابهه ،وهي بدورها تؤدي إلي
تشكيل أنواع متشابهه من التقسيمات الجماعية التي تحاول كل جماعة منها تنظيم
وتفسير أنشطتها في ضوء أنظمة قيمية وعقائدية متشابهه(.)20
يؤكد هاريس على الوصف الإثنوجرافى للسمات الثقافية ،حيث يذهب
الأنثروبولوچى إلى المجتمعات ،ويقوم بإجراء وصف عملي موضوعي ،ويسجل
ملاحظاته بطريقة مباشرة وغير مباشرة عن الحياة الثقافية والاجتماعية في
المجتمع الذي يقوم بدراسته ،فيقوم بوصف البيئة من تضاريس ،ومناخ ،وزراعات،
وحيوانات ،وطرق ،وبناء مساكن ،ويصف الوسائل المتبعة لإنتاج المحاصيل
والصيد ،كما يصف العادات ،والتقاليد السائدة المتعلقة بالمعتقدات والشعائر ،وبصفه
عامة يسجل كل ما يراه بحيث يصنف الملاحظات ،ويحللها من زاوية تعكس
العلاقات والأنماط (.)21
وتمثل المادية الثقافية أذن إستراتيجية بحثية تمكن من فهم أسباب التنوع
الثقافي والاجتماعي ،إذ يؤكد هاريس على أن الظروف المادية (البيئة ،والاقتصاد،
والتكنولوچيا) هي التي تشكل التفكير وتحدده ،وهى العامل الرئيس في التطور
الثقافي الاجتماعي ،ومن ثم لا يمكن فهم وتفسير العناصر الثقافية ،والاجتماعية
للحياة الاجتماعية إلا بالرجوع إلى تلك الظروف في المحل الأول(.)22
- 493 -