Page 434 - African-Issue 41Arabic
P. 434
المبحث الأول :المجاز بالاستعارة
إن الاستعارة في البلاغة العربية كما يراها البلاغيون العرب امتداد للتشبيه
أو بعبارة أخرى أنها تشبيه حذف المتكلم قص ًدا أحد طرفيه وادعى أن المشبه
عين المشبه به أو جنس من أجناسه ،ولا تختلف عندهم أغراضها عن أغراض
التشبيه ،من مبالغة ،وإيجاز ،وتزيين ،وتوكيد .أما البحث الأسلوبي المعاصر فإنه
قد طور البحث الاستعاري ليتجاوز حدود الأغراض التشبيهية ،ويصل بعيدا من
ذلك إلى تتبع ما يقدمه الأسلوب الاستعاري من تصورات جديدة للواقع واستكناه
فطن مرهف بالوشائج الواصلة بين مفرداته ،وأن من سمات الاستعارة انتهاك
حرمة العلاقات السياقية وقصم عرى الأواصر الاقترابية ،والاجهاز على التوقعات
المألوفة والإطاحة بالكلمات التي يجر بعضها بعضا بسبب العادات الاستعمالية،
والاستنامة إلى دعة الترابط المتكرر» (.)5
وقد قسم البلاغيون الاستعارة بناء على اعتبارات لها علاقة بما ذكر من
أطرافها وما حذف منها ،والعلاقة بين المعنى المجازي والمعنى الوضعي إلى
أقسام ،ومن أهم هذه التقسيمات المصرحة والمكنية والتخييلية ،والتي سيبني عليها
هذا البحث ما سيسوقه من النماذج الاستعارية النبوية.
من الاستعارات النبوية الشريفة ما سيأتي في الأحاديث الآتية:
-عن معاذ ،قال :قلت يا رسول الله! أخبرني بعمل ي ُدخلُني الج َّنة ،ويباعد ُني
من النار .قال« :لقد سألت عن أمر عظيم ،وإنه ليسير على من يسره الله تعالى
عليه :تعبد الله ولا تشرك به شيئا ،وتقيم الصلاة ،وتؤتى الزكاة ،وتصوم رمضان،
وتحج البيت» ثم قال« :ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ الصو ُم ُج َّن ٌة ،والصدقُة تطفئ
الخطيئة كما ُيطفئ الماء النار ،وصلاة الرجل في جوف الليل» ثم تلا« :تتجافى
جنوبهم عن المضاجع» .حتى بلغ (يعملون) ثم قال( :ألا أدلُّك برأس الأمر وعموده
وذروة سنامه؟) قلت :بلى يا رسول الله ،قال« :رأس الأمر الإسلام ،وعمودهُ
الصلاة ،وذروةُ سنامه الجها ُد .ثم قال( :ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟) قلت :بلى يا
- 429 -