Page 435 - African-Issue 41Arabic
P. 435
نب َّي الله! فأخذ بلسانه فقال( :ك ّف عليك هذا) فقلت :يا نب َّي الله! وإنا لمؤاخذون بما
نتكلم به؟ قال (ثكلتك أ ُّمك يا معاذ! وهل ُيك ُّب النا َس في النار على وجوههم ،أو على
مناخرهم( ، )6إلا حصائ ُد ألسنتهم؟)(. )7
والاستعارة في الحديث تكمن في قوله« :حصائد ألسنتهم» وهذا من إضافة
المفعول إلى فاعله ،أي محصودات الألسنة ،حيث شبة ما تكلم به اللسان بالزرع
المحصود بالمنجل ،فكما أن المنجل يقطع ولا يميز بين الرطب واليابس ،والجيد
والرديء ،فكذلك لسان بعض الإنسان يتكلم بكل نوع من الكلام القبيح والحسن،
ثم حذف المشبه وأقيم المشبه به مقامه على سبيل الاستعارة المصرحة ،وجعل
الإضافة قرينة لها ،والاستثناء مفرغ؛ لأن في الاستفهام معنى النفي ،ومن فائدة هذه
الاستعارة ما تمتاز به من إيجاز غير مخل بالمعنى ،إذ التقدير :لا يكب الناس في
النار شيء من الأشياء إلا حصائد ألسنتهم من الكلام القبيح ،مثل :الكفر ،والقذف،
والشتم ،والغيبة ،والبهتان ،ونحوها (.)8
-وعن أبي هريرة قال :قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم « :-الناس معادن
كمعادن الذهب والفضة ،خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» (.)9
قوله( :الناس معادن) المعدن المستقر( ،)10المعادن مجاز عن التفاوت ،فالمعنى:
شبه الناس بالمعادن ،أي هم متفاوتون في النسب بالشرف والضعة ،مثل تفاوت
المعادن من الذهب والفضة وما دونهما ،يدل عليه قوله :عليه الصلاة والسلام
في حديث آخر« :فعن معادن العرب تسألوني» .أي أصولها التي ينسبون إليها
ويتفاخرون بها ،وإنما جعلت معادن لما فيها من الاستعدادات المتفاوتة ،فمنها قابلة
لفيض الله تعالى على مراتب المعادن ،ومنها غير قابلة له .أو شبههم بالمعادن؛ لأنهم
أوعية للشرف والعلوم والحكم ،كما أن المعادن أوعية للجواهر النفيسة والفلزات
المنتفع به.
ومن ثم تتمثل بنية المجاز في الحديث في استعارة كلمة (معادن) للتعبير عن
التفاوت الواقع بين الناس.
- 430 -