Page 438 - African-Issue 41Arabic
P. 438
وغير ذلك .كما أن اختيار حرف الجر «على» نيابة عن اللام في قوله« :عليكم
الدنيا» لما يتضمنه اللفظ من معنى الاستعلاء ،لأن المقام يستدعي ألفاظا توحي
بشيء من القوة والاعتزاز لما هم فيه آنذاك من الضعف والفقر ،فبشرهم بهذه الفتوح
تسلية لهم.
-وعن أنس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال« :ثلاث من
كن فيه وجد حلاوة الإيمان :أن يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما ،وأن يحب
المرء لا يحبه إلا لله ،وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار»(.)18
تظهر براعة التصوير الفني النبوي في الحديث في بلاغة الأسلوب المجازي
المستمد من ألوان الخيال البديعة ،تتخذ صو ًرا أدبية حية ومؤثرة في القلب والعقل
والوجدان ،وذلك في صورة “حلاوة الإيمان” ،التي تقوم على الاستعارة بالكناية،
حين ش ِّبه الإيمان بالحلاوة الحسية للعسل وغيره ،بجامع ميل القلب وتمتعه باللذة
والحب والرضا ،معب ًرا بالحلاوة كناية عن العسل والثمرة الطيبة من شجرة طيبة،
قال تعالى ﴿ :أَ َل ْم َت َر َك ْي َف َض َر َب لاهَّ ُ َم َث اًل َكلِ َم ًة َط ِّي َب ًة َك َش َج َر ٍة َط ِّي َب ٍة أَ ْصلُ َها َثا ِب ٌت
َو َف ْر ُع َها ِفي ال َّس َماء ُت ْؤ ِتي أُ ُك َل َها ُك َّل ِحي ٍن ِبإِ ْذ ِن َر ِّب َها َو َي ْض ِر ُب لاهَّ ُ الأْ َ ْم َثا َل لِل َّنا ِس َل َعلَّ ُه ْم
َي َت َذ َّك ُرون﴾(.)19
وقد عبر بحرف الجر “في” بدلاً من “إلى” في قوله“ :يعود في الكفر ويقذف
في النار”؛ لأن الشأن في الفعلين هنا “يعود” و “يقذف” يتعديان بحرف الجر “إلى”،
لا بـ “في” الظرفية التي جاءت هنا على سبيل الاستعارة ،للدلالة على الاستقرار في
أعماق النار ،حيث يتمكن الظرف من المظروف؛ ليكون ذلك أعظم تنفي ًرا منهما،
وأشد ترهي ًبا من عواقبهما الوخيمة.
وتظهر بنية المجاز في اختيار لفظة الحلاوة وإضافتها إلى كلمة الإيمان إيحاء
إلى ما فيه من اللذة المشوبة بالحب والرضا ،وكذلك في اختيار حرف الجر “في”
والعدول عن “إلى” لما فيه من معنى الدخول والاستقرار في الشيء.
- 433 -