Page 17 - 2014-36
P. 17
ورغم نشوة النصر والتوسع التي حظيت بها مملكة صنغي ،إلا أن أضرار هذا
التوسع لم تقف على الشعوب التي توسعت صنغي على حسابها فقط ،وإنما عانت
صنغي نفسها من تلك الأضرار ،حيث إن شعو ًبا أخضعت بالقوة لم يكن ينتظر منها
سوى تحين كل فرصة للانقضاض على حدود من أخضعها ،والانتقام منه( ،)74وهو
الأمر الذي يفسر هجمات الموشي من مملكتهم ،والطوارق من سلطنة آير ،وكذلك
هجمات ملك كبي من حين لآخر على حدود المملكة.
وبهذا كان هدف توسيع حدود المملكة السودانية وفرض قوتها ونفوذها على
الممالك المجاورة من أهم أهداف الحرب في السودان الغربي ،فعلى الرغم من الأثر
السلبي للحرب ،وأنها لم تكن الحل الأمثل لفض الاشتباك بين الممالك السودانية،
إلا أنها كانت ضرورة فرضت نفسها على الملوك لحماية ممالكهم من المتربصين
للانقضاض عليها ،وإن كان الأمر تطلب وجود ملوك أقوياء وجيش منظم ومجهز
باستمرار ،ولما كان هذا من الصعوبة بمكان ،كانت النتيجة أن المملكة السودانية
التي جنت ثمار قوتها أصبحت تدفع الثمن أثناء مراحل الضعف التي عصفت بها.
وبهذا مثل توسيع حدود الممالك السودانية وفرض هيبتها وإقرار نفوذها داف ًعا
قو ًيا لدى ملوك السودان الغربي ،فكانت قوة هذه المملكة أو تلك تقاس بعدد ما
تسيطر عليه من المدن والأقاليم والإمارات التي تخضع لنفوذها وتعترف بسلطانها،
ولهذا أصبح تاريخ الممالك السودانية خلال فترة الدراسة يمثل سلسلة من الحروب
التوسعية للممالك القوية ،وأخرى دفاعية كان هدفها التخلص من تسلط الممالك
الكبرى والخروج عن تلك الطاعة الجبرية ،وهو الأمر الذي تسبب في ظهور دافع
جديد للحرب ،وهو قمع الثورات والتصدي للطامعين والخارجين على نظام الحكم،
فما الذي حققته الحرب بالنسبة لذلكم الدافع بعد أن حققت مكاسب جمة فيما يخص
فرض هيبة الممالك السودانية وتوسيع نطاق نفوذها باتساع الإمارات والأقاليم التي
خضعت لسلطانها ؟
- 40 -