Page 103 - 2015-37
P. 103
وهذه الماحظة تنطبق على اإمارات الوثنية في السودان الغربي كما هو
الحال على المشيخات القبلية في اأوساط اإسامية ،حيث حلت ايدولوجيا القوة
وما يرتبط بها من قيم الفروسية محل مبدأ الشورى ،ولقد كان لهذه اأوضاع
الجديدة أثرها على المنطقة ،حيث بدأ العلماء والفقهاء يتجهون إلى عامة الناس في
اأرياف والصحاري ،ينشرون اللغة العربية والثقافة اإسامية ويحصلون مقابل
ذلك على بعض الهدايا (. )13
وصــار -نتــاجاً لتلك التحوات -انتقال الحركة العلمية والثقافية من المدن
والحواضر الرئيــسية إلى البوادي واأرياف ،وصارت مصالح العلماء والفقهاء
والمشائخ أكثر ارتباطاً بمصالح العامة من ُسكان الصحاري واأرياف والبوادي.
وسيتلمس هـذا البحث الدور المهـم الذي لعبه العلماء في هذه البوادي واأرياف
في انتشار اإسام و اللغة العربية.
وتتضح أهمية هذه التحوات ودااتها إذا ما علمنا أن المراكز الحضرية قبل
القرن الحادي عشر الهجري /السابع عشر الميادي كانت نقطة جاذبة للمتعلمين
والعلماء من سكان البوادي واأرياف ،بل إن هؤاء المعلمين والمتعلمين يأسفون لما
أضاعوه من أعمارهم خارج المراكز الحضرية ،ويحكي السعدي قصة تؤكد ذلك(.)14
أخذت الحركة العلمية تتجه من المدن إلى البوادي واأرياف منذ القرن الحادي
عشر الهجري /السابع عشر الميادي ،وذلك بسبب التحوات الجديدة التي شهدتها
المنطقة ،وأصبحت مصالح العلماء والفقهاء أكثر ارتباطاً بمصالح العامة من سكان
الصحاري واأرياف والبوادي .وظهر نتاجاً لكل ذلك انتشار الدراسات اإسامية خارج
المراكز الحضرية ،حيث ازدهرت الحياة العلمية في المناطق التي اصطلح الباحث
على تسميتها باسم البوادي واأرياف ،وكانت اأسر العلمية التي عرفت بالزوايا،
والتي تتكون غالباً من أصل صنهاجي قد اعتزلت الحرب وتفرغت لنشـر الثقافة
والعلوم مما يجعلها المتحكمة في أذهان المتعلمين من أهالي السودان المستقرين(.)15
وقد صار هذا اازدهار الثقافي يسير بشكل متدرج من المــراكز الحضرية
إلى المراكــز القروية في حركة انتقال بطيء لمراكز الثقل السياسي وااقتصادي
- 98 -