Page 105 - 2015-37
P. 105

‫وتحفل المصادر التاريخية بأسماء كثير من الشخصيات واأُسر العلمية‬
‫التي غادرت المراكز الحضرية ُميممة شطر اأرياف والبوادي خال هذه الفترة‬
‫التاريخية ‪ ،‬بل إن أغلب قبائل الزوايا ممن سكنوا البواد ّي واأرياف ُيص ّرون على‬
‫أن أجدادهم قد هاجروا إلى تلك اأنحاء من مراكز حضرية محددة في ظروف‬

                                                       ‫يذكرونها تفصياً (‪. )25‬‬
‫ورغم أن هذه المناطق لعبت أدواراً هامة خال الفترة الزمنية التي يدرسه هذا‬
‫البحث‪ ،‬فإنها لم تنل الشهرة والتعريف في المصادر التاريخية كما نالتها رصيفاتها‬
‫من المراكز الحضرية – المدن – وذلك بسبب طابع البداوة الغالب على أهلها‪،‬‬
‫حيث أن المناطق النائية عن المراكز الحضرية ا تكون نقطة جاذبة للمؤرخين‬
‫والرحالة الذين يقومون بالتدوين والكتابة والتاريخ لنشأة تلك المناطق ونشاطاتها‬
‫المختلفة‪ ،‬كما أن طابع البداوة الذي كان سمة أساسية أهلــــها جعلــهم ا يولــون‬
‫اهتمــاماً بتسجيل تاريخــهم وتوثــيق أحــداثه‪ .‬يقول الباحث النيجري المعاصر‬
‫محمد أحمد شفيع‪ ،‬أنه سمع من أحد أجداده رواية نقلت عن أجداده اأول الذين‬
‫كانوا يعيشــون في منطقة شمال النيــجر‪ ،‬والذين عاصــروا السلطــان محــمد بللــو‬
‫(‪1293 – 1195‬هــ ‪1837 – 1781/‬م )‪ ،‬أن السلطان المذكور كان يقول لهم‬

                           ‫أنكم أصحاب علم‪ ،‬ولكنكم ا تهتمون بتدوين ذلك(‪.)26‬‬

‫ويعتقد الباحث أن ذلك الضعف في ااهتمام بالتوثيق لدى أهالي وعلماء تلك‬
‫البوادي واأرياف‪ ،‬وضياع العديد من مؤلفاتهم بسبب الظروف المختلفة كانا سبباً‬

                   ‫في ضياع مادة علمية هامة عن تاريخ وأحوال تلك المناطق ‪.‬‬
‫وقد ظهر نتاجاً لتلك اأوضاع انتقال الكثير من الفُقهاء إلى هذه البوادي‬
‫واأرياف وبروز العديد من الظواهر من بينها ابتكار مؤسسات علمية جديدة تناسب‬
‫ذلك الوضع الجديد‪ ،‬وتعتمد ــ اقتصادياً ــ على عوائد التجارة اأطلسية‪ ،‬مع ما‬
‫ينطوي عليه ذلك من ضغوط اجتماعية وإشكاليات فقهية (التعامل مع النصارى)‪،‬‬
‫وصارت هذه المؤسسات تعمل على انتقال المعارف والعلوم من المراكز القديمة‬
‫إلى مجالها الجديد‪ ،‬فــبداً من الحلقات العلمية التي كانت تحتضنها المساجد‬

                                  ‫‪- 100 -‬‬
   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110