Page 366 - 2015-37
P. 366

‫وإذا كانت دوائر اانتماء والحركة الخارجية أي وحدة دولية‪ ،‬تنبع من‬
‫الثوابت الجغرافية والسياسية‪ ،‬ومن الحقائق التاريخية والفكرية – الحضارية‪ ،‬فإن‬
‫استثمار تلك الثوابت والتعامل معها في رسم السياسة الخارجية للوحدة الدولية‪،‬‬
‫ابد وأن يتصف بالديناميكية والمرونة‪ ،‬حتى تستطيع ‪-‬من منطلق استنادها إلى تلك‬
‫الثوابت‪ -‬أن تتفاعل مع المتغيرات الدولية المتتالية‪ .‬وهو ما يعرف «بتوزيع السياسة‬

         ‫الخارجية» على مجاات ونطاقات الحركة الخارجية للوحدة الدولية(‪.)21‬‬
‫انطا ًقا من ذلك التحديد النظري لمفهوم «دائرة الحركة في السياسة الخارجية»‪،‬‬
‫فإنه يمكن تحديد دوائر السياسة الخارجية المصرية‪ ،‬استنا ًدا إلى أسس الجغرافيا‬
‫والتاريخ والفكر الحضاري‪ ،‬والمصلحة القومية لمصر خال الفترات والحقب المختلفة‪.‬‬
‫فموقع مصر في قلب القارة اأفريقية وتراثها ووزنها السياسي‪ ،‬قد فرض‬
‫عليها دورها الريادي‪ ،‬وجعلها بمثابة عامل الوصل بين القارة اأفريقية من ناحية‬
‫وقارتي آسيا وأوروبا من ناحية ثانية‪ .‬وموقع مصر الجغرافي المتفرد في القارة‬
‫اأفريقية قد أضاف إلى ريادتها وثقلها السياسي في هذا اإطار‪ ،‬ما يجعل دورها‬
‫يتعدى مجرد اانتماء إلى أفريقيا‪ ،‬إلى أن تكون بمثابة النافذة –بمعناها المادي‬

                       ‫والمعنوي – التي تطل منها القارة على الشمال والشرق‪.‬‬
‫وإذا كانت شخصية مصر هي نتاج لعبقرية الزمان والمكان؛ وإذا كانت الحضارة‬
‫المصرية العريقة هي نتاج تاريخ طويل يضرب بجذوره إلى بزوغ شمس الحضارة‬
‫البشرية على سطح هذا الكوكب؛ وإذا كان الوزن الجيوستراتيجي والجيوبوليتيكي‬
‫لمصر هو محصلة تفاعل واعتمال قدراتها البشرية وااقتصادية والعسكرية والسياسية‪،‬‬
‫فإن اضطاع مصر بدور الدولة القاعدة في محيط إقليمها العربي واأفريقي والشرق‬
‫أوسطي هو أم ٌر منطق ٌي‪ ،‬وا يغني الدور المركزي اإقليمي لمصر عن تبوء مكانة‬

      ‫عالمية متميزة تجعلها باستمرار دولة دور في إطار حركة اأحداث العالمية‪.‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬اجتهد نف ٌر من المؤرخين والجغرافيين والسياسيين المصريين‬
‫في محاولة لرصد وتحديد أبعاد ودوائر السياسة الخارجية المصرية‪ ،‬مستندين إلى‬

     ‫حقائق الجغرافيا ومعطيات التاريخ وأولويات المصلحة القومية العليا لمصر‪.‬‬

                                  ‫‪- 361 -‬‬
   361   362   363   364   365   366   367   368   369   370   371