Page 440 - African-Issue 41Arabic
P. 440
الله عليه وسلم في صورة نار يصعد منها البخار ،أو تراب يثير منها الغبار .وقد
أفادت الاستعارة في تجسيد المعنوي المجرد في صورة محسوسة حية يدركها
الإنسان من أي طبقة كان ،حضري وقروي ودهري وملحد ،وهذه من خصائص
الاستعارة النبوية.
-وعن قيس بن أبي غرزة ،قال :كنا نسمى في عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم السماسرة ،فمر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن منه،
فقال« :يا معشر التجار! إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة»(.)23
أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبين لهؤلاء التجار ما في البيع من
اختلاط باللغو والحلف ،وضرورة خلطه بالصدقة لتصفيه ،وكل ذلك معان مجردة
تحتاج إلى شيء من الإيضاح ،لذلك صورها تصوي ًرا فن ًيا عن طريق الاستعارة
المكنية حيث شبه هذا الاختلاط بشيء مائع مشوب بشيء آخر ،ثم حذف الشبه به
ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الشوب ،واشتق من الشوب بمعنى الخلط فعل أمر
«شوبوا» على طريق الاستعارة التبعية.
-وعن أبي قتادة ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم« :من سره أن ينجيه
الله من كرب يوم القيامة ،فلينفس ( )24عن معسر أو يضع عنه»(.)25
إن عبارة «فلينفس عن معسر» تنطوي على استعارة تبعية ،أي يفرج عنه،
حيث شبه تنفس الهواء إلى الجوف ،بتفريج الكرب ،واشتق من التنفس بمعنى
استنشاق الهواء ،ينفس بمعنى يفرج عنه بجامع ارتياح النفس في كل.
والمجال الاستعاري الذي يضم الخصال المشتركة بين طرفي الاستعارة ،كون
كل واحد منهما شيء يحتاجه الإنسان وترتاح إليه نفسه ،فالتنفس شيء محسوس
يحتاجه الإنسان ويرتاح باستمراره ،كما أن التفريج أمر معنوي يرغب إليه الإنسان
ويرتاح باستمراريته .وغاية الاستعارة في تخريج المعنوي في صورة محسوسة
يدركها المخاطب وتقرب إليه المراد.
- 435 -