Page 610 - 2015-37
P. 610
وحكى ابن هشام أن محمد بن سعود الزكي أن (الذي) و(أن) المصدرية
يتقارضان فتقع «الذي» مصدرية ،كقوله :
أَتَ ْقرَ ُح أَكْ َبادَ امُِبِنَ كَالَ ِذي **** أَرَى كَ َب ِدى ِمنْ ُح ِب َميَ َة يَ ْقرَ ُح()24
وتقع (أن) بمعنى (الذي) ،كقولهم( :زيد أعقل من أن يكذب) أى من الذي يكذب)25(.
فقال ابن هشام بعد سرد الحكاية« :فأما وقوع الذي مصدرية فقال بـه يونس
والفراء والفارسي وارتضاه ابن حروف وابن مالك ...وأما عكسه َف َل ْم أعرف له
قائا ،والذي ج ّرأه عليه إشكال هذا الكام ،فإن ظاهره تفضيل زيد فى العقل على
الكذب وهذا ا معنـى له ،ونظائر هـذا التركيب كثيرة مشهورة ااستعمال»(.)26
ثم قال« :وظهر لي فيها وجهان :أحدهما أن يكون فى الكام تأويل على تأويل،
فيؤول (أن) والفعل بالمصدر ،ويؤول المصدر بالوصف ،فيؤول إلى المعنى الذي
أراده بتوجيه يقبله العلماء ...والتوجيه الثاني (أَ ْع َق ُل) ض ّمن معنى (أَ ْب َع ُد) فمعنى
المثال( :زي ٌد أَ ْب َع ُد ال ّنا ِس من الكذب) لفضله من غيره ،فـ(من) المذكورة ليست الجارة
للمفضول بل متعلقة بـــــ»أفعل» لِ َما َت َض ْم َن ُه ِم ْن معنى البعد ا لما فيه من المعنى
الوضعى ،والمفضل عليه متروك أبدا مع (أفعل) .هذا لقصد التعميم ،ولو ا خشية
اإسهاب أوردت لك أمثلة كثيرة من هذا الباب لتقف منه على العجاب»)27(.
والمهم أن ابن مسعود يرى أن بين (الذي) وبين (أَ ْن) تقارض وا يرى ذلك
ابن هشام أن النحاة لم يذكروا جريان (أَ ْن) الناصبة مجرى (الذي) بيد أنـهم تحدثوا
عن ورود «الذي» مورد (أن) الحرفية ،والتقارض هو أن يأتي كل من لفظين على
معنى اآخر .أو أن يتعاطى اللفظان معنى كل منهما في السياق.
واأقرب إلى المعنى واأضبط للصياغة من توجهي ابن هشام ،هو التوجيه
اأول لما امتثل بـه ابن مسعود :زيد أعقل من أن يكذب ،أى زيد أعقل من الكذب
أى من الكاذب بمعنى من الذي يكذب .فهذا هو المراد بقوله« :تأويل على تأويل.
وعلى هذا ا يتحقق التقارض بحال أن النحاة لم يقولوا بورود (أَ ْن) مورد (الذي).
وا يرى أبو حيان( )28أن (الذي) تأتي حرفا مصدريا ،إذ قال فى تفسير قوله
تعالى :ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭼ «من النحويين من جعل «الذي» مصدرية،
- 606 -