Page 441 - African-Issue 41Arabic
P. 441
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع) (.)26
ويجوز أن يقال للأمر الخطير :ذو بال ،على الاستعارة المكنية بأن يشبه الأمر
برجل شهم ،له قلب ثبت وجنان ذو عزم ،فينبه عن لازم المشبه به ،وهو البال
المنكر تنكير تفخيم على موضوع الاستعارة في (أمر) ،فيكون قوله (أقطع) ترشيحا
للاستعارة.
فالأمر شيء معنوي له تعلق بالإنسان والبيئة التي تحيط به ،والملابسات التي
يعيش فيها ،والإنسان كائن حي يتكيف مع البيئة ويتغير مع تغير الملابسات التي
يعيش فيها ،فيشترك الطرفان في كون كل واحد منهما له تعلق بالبيئة ،وله قابلية
للتغير والتكيف مع ملابساتها ،ويختلفان في كون الأول معنوي مجرد ،والثاني
حسي ،فس ّر الاستعارة في تجسيد ذلك المعنوي المجرد.
-وعن حذيفة -رضي الله عنه -قال :حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم
-حديثين ،رأيت أحدهما ،وأنا أنتظر الآخر ،حدثنا« :أن الأمانة نزلت في جذر قلوب
الرجال ،ثم علموا من القرآن ،ثم علموا من السنة»(.)27
التركيب الاستعاري في الحديث يتمثل في المستويين دلاليين ،المستوى الأول
في قوله« :إن الأمانة نزلت» فجعلها ضيفا يلم بساحة الحي ،وأما المستوى الثاني
في قوله« :جذر قلوب الرجال» وهو تركيب إضافي يوحي بشيء من الانزياح
الدلالي ،وذلك لأن لفظ «جذر» صفة من صفات النبات فإضافتها إلى قلوب الرجال
انزياح عن النمط العادي ،فالاستعارة تكمن في جعل القلوب نبات لها جذور ،فالجذر
كائن حي ينبض بالحياة في النبات ،وينتفع به الإنسان منه حلو ومر ،كما أن القلوب
شيء حسي في الجسد الإنساني ينبض فيه الحياة ،يصلح بصلاحه ويفسد بفساده،
فالمجال الاستعاري المشترك بين المحورين هو كون كل واحد منهما له تعلق
ضروري بالحياة في كلا الطرفين ،وكلاهما ينفع وأحيانا يضر ،فإنزال الأمانة في
جذر القلوب انزياح يضفي المعنى بشيء من قرار وثبات.
- 436 -