Page 442 - African-Issue 41Arabic
P. 442
-وعن عدي بن حاتم قال :بينما أنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم -إذ أتاه
رجل فشكا إليه الفاقة ،ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل ،فقال( :يا عدي هل رأيت
الحيرة؟) قلت :لم أرها ،وقد أنبئت عنها ،قال( :فإن طالت بك حياة لترين الظعينة
ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله) قلت فيما بيني وبين
نفسي فأين دعار طيء الذين قد سعروا البلاد)()28؟!
تتمثل الاستعارة في الحديث عند قول عدي رضي الله عنه« :سعروا البلاد»
أي أشعلوا فيها نيران الشر والفساد ،شبه فعالهم الشنيعة وشرورهم بنار مشتعلة ،لما
بينهما من مشابهة في الضرر ،وإفشاء الشر والخوف بين الناس ،فالنار شيء حسي
خطير يضر وينفع ،أما الطيش والفساد فمعان مجردة خطيرة يتصف بها الإنسان،
وضررها أكثر من نفعها ،فكلا الطرفين له تعلق سلبي وإيجابي مع الإنسان ،وقد
أدت الاستعارة دو ًرا مه ًما في تقريب هذه العلاقة إلى الإدراك ،حيث خلقت ج ًوا
دلال ًيا يظهر فيه المعنوي ويتضح كأنه يرى بالعيون.
المبحث الثاني :بنية المجاز المرسل
مما جاء من المجاز المرسل في الحديث النبوي الشريف ،ما جاء في الأحاديث الآتية:
-عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم-يقول:
«أرأيتم لو أن نه ًرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خم ًسا ،ما تقول ذلك ُيبقي من
درنه»؟ قالوا :لا ُيبقي من درنه شي ًئا ،قال« :فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله
بها الخطايا»(.)29
يكون التصوير الفني في بلاغة الأسلوب المجازي المستمد من ألوان الخيال،
يتخذ منها صو ًرا حسية مؤثرة في النفس والقلب والعقل والوجدان .سواء أكانت
صو ًرا جزئية أو كلية ،فأما الصور الجزئية فمنها :المجا ُز المرس ُل في «يغتسل
فيه» ،فليس المرا ُد أن يغتسل في امتداد النهر كلِّهَ ،ي ْس َب ُح فيه من أوله إلى آخره،
بل المراد في جزء منه ،لتوحي الكلية في النهر بشمول الجسد وكمال الطهارة،
- 437 -