Page 444 - African-Issue 41Arabic
P. 444

‫إنما يكون بالحكمة‪ .‬لذلك عطف الجملتين عليها بالفاء في قوله‪« :‬فهو يقضي بها‬
                           ‫ويعلمها» للدلالة إلى ما بينهما من تعلق دلالي قريب‪.‬‬

‫‪ -‬وعن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪« :‬لعن الله‬
‫الخمر‪ ،‬وشاربها‪ ،‬وساقيها‪ ،‬وبائعها‪ ،‬ومبتاعها‪ ،‬وعاصرها‪ ،‬ومعتصرها‪ ،‬وحاملها‪،‬‬

                                                         ‫والمحمولة إليه»(‪.)34‬‬

‫لعن الله الخمر وك ّل ما يمت إليها بصلة‪ ،‬للتأكيد على خبثها وقلة بركتها‪ ،‬كما يرشد‬
‫إلى تحريم شربها وبيعها والقيام بكل عمل يفضي إلى وجودها‪ ،‬أو وجود منفعتها‪ ،‬قال‬

       ‫الطيبي‪« :‬وإنما أطنب فيه ليستوعب من زاولها مزاولة بأي وجه كان»(‪.)35‬‬

‫الصورة المجازية في الحديث تكمن في قوله صلى الله عليه وسلم‪« :‬وعاصرها‬
‫ومعتصرها» وهو مجاز مرسل باعتبار ما كان‪ ،‬أي عاصر عنب يصير خمرا أو‬
‫معتصره‪ ،‬لأن الخمر في أول الأمر تعتصر من العنب أو الحبوب أو أي شيء آخر‪،‬‬
‫واختيار اسم الفاعل دون غيره من الفعل الماضي أو المضارع ‪ -‬فلم يقل‪ :‬عصر أو‬
‫أعتصر» أو يعصر أو يعتصر‪-‬ثم إضافته إلى ضمير الخمر إنما هو لتأكيد الوصفية‬

                                                                    ‫وإثباتها‪،‬‬

                                                       ‫ومن ذلك ما جاء‪:‬‬

‫‪ -‬عن ناف ٍع‪ ،‬قال‪ :‬كنت أجهز إلى الشام‪ ،‬وإلى مصر‪ ،‬فجهزت إلى العراق‪،‬‬
‫فأتيت إلي أم المؤمنين عائشة‪ ،‬فقلت لها‪ :‬يا أم المؤمنين! كنت أجهز إلى الشام‬
‫فجهزت إلى العراق‪ .‬فقالت‪ :‬لا تفعل! مالك ولمتجرك؟ فإني سمعت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يقول‪« :‬إذا سبب الله لأحدكم رز ًقا من وج ٍه فلا يدعه حتى يتغير له‪،‬‬

                                                            ‫أو يتنكر له» (‪)36‬‬

‫يدعو الرسول في هذا الحديث بالالتزام والثبات على ما كان عليه الإنسان من‬
‫وجوه الخير‪ ،‬فعلى المسلم ألا يدع شيئا من أسباب رزقه‪ ،‬ويتحول إلى غيره‪ ،‬طالما‬

                                                       ‫أن الباب مفتوح أمامه‪.‬‬

                                  ‫‪- 439 -‬‬
   439   440   441   442   443   444   445   446   447   448   449